السيسي و ظهور الاسلاميين في سوريا |
بالعربي في 05/01/2025
المصرية حذراً واضحاً في تعاملها مع التحولات الجديدة في سوريا، حيث دعمت نظام الأسد حتى اللحظات الأخيرة من حكمه. ينبع هذا الحذر من مخاوف القاهرة بشأن امتداد تأثير التغيير السوري إلى أراضيها. ويتركز القلق الرئيسي في احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة في دمشق، خاصة في ظل تاريخ الإخوان المسلمين في مصر. كما تشعر مصر بقلق تجاه تأثير الجهات غير الحكومية الفاعلة في المشهد السوري. فما هي خطوات مصر في التعامل مع الواقع السوري الجديد؟ وكيف يمكن أن تتطور العلاقات بين البلدين في المستقبل؟هل الواقع السوري الحالي يشكل مصدر قلق للقاهرة
عقب سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، اتجهت العديد من الدول العربية للتواصل سريعًا مع السلطات الجديدة في دمشق، بينما اختارت القاهرة نهجًا أكثر تحفظًا. ورغم أن مصر كانت من بين الدول التي دعمت الأسد حتى آخر أيام حكمه، فإن موقفها بعد سقوط النظام كان متريثًا.
انتظر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ثلاثة أسابيع قبل إجراء أول اتصال رسمي مع نظيره السوري الجديد، أسعد الشيباني. خلال هذا الاتصال، دعا عبد العاطي السلطات السورية الجديدة إلى تبني عملية انتقال سياسي تتسم بالشمولية، مؤكدًا على أهمية تمثيل كافة الأطياف السياسية والمجتمعية لضمان استقرار سوريا ووحدتها.
ويعكس هذا التأخير الحذر المصري في التعامل مع المستجدات السورية، إذ تسعى القاهرة لضمان عدم تصاعد نفوذ الفاعلين الإسلاميين في دمشق، وهو ما ترى فيه تهديدًا محتملًا لأمنها القومي، بالنظر إلى التاريخ المعقد للإخوان المسلمين في المنطقة.
كما أن الموقف المصري يرتبط برؤية أوسع تركز على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتجنب أي سيناريو يؤدي إلى تقسيم البلاد أو انهيار مؤسسات الدولة، وهي مخاوف عبّرت عنها القاهرة مرارًا في المحافل الإقليمية والدولية.
وبينما تستمر التحركات المصرية على المستوى الدبلوماسي، تبقى علاقتها مع دمشق الجديدة مرهونة بقدرة السلطات السورية على تحقيق التوازن بين متطلبات الداخل وتطمينات دول الجوار، وفي مقدمتها مصر، بشأن عدم تصدير التوترات إلى محيطها الإقليمي.
كما أن تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقب سقوط نظام بشار الأسد عكست نهجًا حذرًا ومتوازنًا في التعامل مع الأزمة السورية. ففي لقاء مع مجموعة من الصحافيين، أكد السيسي أن "أصحاب البلد" في سوريا هم المسؤولون عن اتخاذ القرارات المصيرية، مشددًا على أن هذه القرارات ستكون حاسمة إما في إعادة بناء سوريا أو في تعميق أزماتها.
هذا التصريح يعكس موقف القاهرة الثابت الداعي إلى احترام سيادة الدول وتجنب التدخل المباشر في شؤونها الداخلية. كما يشير إلى رغبة مصر في ترك مسار الحلول في سوريا بيد السوريين أنفسهم، مع التأكيد على أهمية أن تكون هذه الحلول مسؤولة وبنّاءة.
ويبدو أن السيسي أراد من خلال هذا التصريح أن يبعث برسائل متعددة. داخليًا، يشير إلى حرص مصر على عدم الانخراط في أي سياسات قد تؤدي إلى مواجهات إقليمية جديدة. وخارجيًا، يؤكد على دعم مصر لأي جهود سياسية تؤدي إلى استقرار سوريا، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي قد تعقّد المشهد.
تتفق هذه التصريحات مع السياسة المصرية العامة التي تدعو إلى حل الأزمة السورية عبر مسار سياسي شامل، يضمن الحفاظ على وحدة البلاد ويحول دون انهيار مؤسساتها. وقد تجلى هذا الموقف في تصريحات لاحقة لمسؤولين مصريين دعوا خلالها إلى ضرورة مشاركة جميع الأطراف السورية في عملية انتقالية تضمن تمثيلًا عادلًا لجميع المكونات.
هذا و يشكل صعود الإسلاميين إلى السلطة في سوريا مصدر قلق كبير لمصر، خصوصًا في ظل مرور عقد على تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، وهو الذي وصل إلى السلطة بعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
وفي هذا السياق، اعتبرت ميريسا خورما، مديرة برنامج الشرق الأوسط في
مركز ويلسون البحثي بواشنطن، أن التطورات الأخيرة في سوريا تثير قلقًا بالغًا لدى
مصر. وأوضحت أن هذا القلق ينبع من التاريخ المعقد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر
وتأثيره على النظرة المصرية تجاه أي صعود مماثل للإسلاميين في المنطقة.
القاهرة تتخذ إجراءات استباقية
مع سقوط نظام بشار الأسد، تحركت
القاهرة بشكل سريع لاتخاذ إجراءات وقائية للتعامل مع تداعيات هذه التحولات. وأفادت
المبادرة المصرية لحقوق الإنسان أن قوات الأمن اعتقلت 30 سوريًا كانوا
يحتفلون بسقوط الأسد، ثلاثة منهم يواجهون الترحيل. هذه الخطوة عكست قلق السلطات
المصرية من تأثيرات سقوط النظام السوري على الداخل المصري، خاصة مع وجود مجتمع
سوري كبير يقدر بحوالي 150 ألف شخص داخل مصر.
في سياق موازٍ، شددت مصر القيود على
منح تأشيرات الدخول للسوريين، في خطوة تهدف إلى الحد من أي تدفق غير منظم قد يحمل
معه تهديدات أمنية أو يثير اضطرابات.
ومن بين التحركات الإعلامية، بثت
قنوات موالية للحكومة المصرية شريطًا مصورًا يجمع بين مشاهد اضطرابات وتدريبات
عسكرية ومشاريع تنموية، مصحوبة بخطاب للرئيس عبد الفتاح السيسي ألقاه في عام 2017.
في هذا الخطاب، حذر السيسي من أن الجهات التي أشعلت الحرب في سوريا قد تسعى لتكرار
السيناريو في مصر، ما يعكس رؤية استراتيجية تعتبر استقرار سوريا جزءًا من الأمن
القومي المصري.
تزايدت المخاوف المصرية بعد تداول
صورة حديثة للقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع بجانب القيادي
الإخواني محمود فتحي، المحكوم عليه غيابيًا بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام
السابق هشام بركات. هذا المشهد أثار قلقًا إضافيًا في القاهرة، حيث يعيد إلى
الذاكرة العلاقة بين الحركات الإسلامية المسلحة والتنظيمات السياسية ذات المرجعية
الدينية.
الوصول السريع لهيئة تحرير الشام إلى
السلطة بعد هجوم خاطف زاد من قلق مصر، خاصة أن الهيئة كانت مرتبطة سابقًا بتنظيم
القاعدة، وحصلت على دعم واضح من تركيا، الحليف التقليدي لجماعة الإخوان المسلمين.
يُنظر إلى هذا التحالف باعتباره تهديدًا مباشرًا، إذ يعيد للأذهان فترة حكم
الإخوان في مصر بقيادة محمد مرسي، والتي استمرت عامًا واحدًا فقط.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود هيئة
تحرير الشام على رأس السلطة في سوريا يتعارض مع الصورة التي يقدمها السيسي كحصن ضد
الإسلام السياسي. هذا الوضع يزيد من تعقيد العلاقات بين القاهرة ودمشق الجديدة،
ويضع المزيد من التحديات أمام صناع القرار المصريين، الذين يحرصون على تعزيز
الاستقرار الداخلي ومواجهة أي تهديد محتمل ينشأ من التطورات الإقليمية.
تأثير التغيّرات الجيوسياسية
تغيّر التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ بعد سقوط النظام السوري، مما أثار قلق مصر بشأن تأثير هذا التحول على الأمن الإقليمي ومصالحها. ورغم أن هيئة تحرير الشام خففت من حدة خطابها وتعهدت بحماية الأقليات وعدم "تصدير الثورة"، إلا أن مصر لا تزال متشككة في نوايا الهيئة وتعتبرها تهديدًا محتملًا.
أدى انهيار نظام الأسد إلى تقليص نفوذ إيران، الحليف التقليدي لسوريا، مما أعاد رسم التوازن الجيوسياسي في المنطقة. في المقابل، فتحت هذه التغيرات المجال أمام تركيا لتعزيز نفوذها، خاصة مع دعمها لفصائل المعارضة السورية. هذه التحولات تثير قلق مصر، نظرًا للتنافس التاريخي بين القاهرة وأنقرة. وعلى الرغم من التحسن الأخير في العلاقات بين الطرفين، إلا أن مصر تنظر بحذر إلى احتمالية أن تصبح تركيا الحليف الرئيسي لسوريا الجديدة.
استجابةً للتطورات الإقليمية، سارعت القاهرة إلى التواصل مع الإدارة السورية الجديدة بعد تحركات مشابهة من دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر. ومع ذلك، تضع مصر شروطًا واضحة لأي تقارب مع دمشق، أبرزها ضمان تقاسم السلطة في سوريا الجديدة. ويهدف هذا الشرط إلى منع الإسلاميين من احتكار الحكم، وهو أمر يشكل مصدر قلق رئيسي للقاهرة، كما أشارت الباحثة ميريت مبروك.
من منظور أوسع، ترى مصر أن تحقيق الاستقرار في سوريا يجب أن يتم عبر ترتيبات سياسية تضمن تمثيلًا عادلًا لجميع المكونات السورية. هذا النهج يتماشى مع سياسة القاهرة الإقليمية التي تركز على تعزيز الاستقرار ومنع الهيمنة الإقليمية لأي طرف.
ومع استمرار إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، تواجه مصر تحديات متعددة في صياغة استراتيجيتها تجاه سوريا الجديدة، بما يوازن بين حماية مصالحها الإقليمية ومنع تصاعد نفوذ الإسلاميين أو الجهات الفاعلة غير الحكومية.